تقوية شخصية الأطفال وتحصينهم الوقاية من التحرش والاعتداء الجنسي



نتيجة بحث الصور عن التحرش

الأمهات والآباء الأعزاء:
ربما سبق أن اختفى  طفلكم الصغير عن أعينكم في مدينة الملاهي، أو تأخر كثيرًا عن موعد عودته من المدرسة... في حالات كهذه تتبادر إلى الذهن تصوراتٌ ومخاوفٌ كثيرة، مثل احتمال أن يكون شخصٌ ما قد تحدث إلى الطفل، وجرّه عنوةً إلى سيارته، واعتدى عليه جنسيًا، وما إلى ذلك من الهواجس المقلقة.
بالرغم من تزايد عدد البرامج والتقارير التي نشاهدها في التلفزيون ونقرؤها في الصحف بخصوص جرائم العنف الجنسي البغيضة التي تقع بحق الأطفال، إلا أن احتمال أن يتعرض طفل ما لجرائم من هذا النوع ضئيلٌ للغاية. بالرغم من ذلك يبقى الآباء والأمهات قلقين ومشغولين البال على أولادهم وبناتهم.
إلى جانب جرائم العنف الفظيعة، التي تنذرُ الرأيَ العام وتفزعه، هنالك عددٌ لا يحصى من التحرّشات الجنسية بالأطفال والفتيان والفتيات. تحرشاتٌ تبقى مستترة وفي طي الكتمان. وغالبًا لا يكون الجناة من الغرباء الذين يختارون ضحاياهم بشكلٍ عشوائيٍ. إذ تبيَّن أنَّ ثلاثة أرباع هذه الانتهاكات تحدث في محيط المعارف أو دائرة الأقارب.
توجَّهنا بأسئلتنا الخاصة بهذا الموضوع إلى الأمهات والآباء في العديد من الولايات الألمانية، في المدن الكبيرة وفي المناطق الريفية، وأظهرت الردود الوافرة قلق وارتباك الكثيرين الذين تساءلوا عن التالي: هل يمكن أن يتعرض أبنائي وبناتي الصغار إلى شيءٍ من هذا القبيل؟ كيف يمكننا أن نحميهم؟ ما الذي ينبغي أن يعرفه أبنائنا وبناتنا؟ هل يتوجب علينا أن نغرس في أنفسهم عدم الثقة بكل الراشدين؟ هل يمكننا التحدث إليهم منذ الآن عن التحرّش الجنسي؟ أم أن ذلك واجبٌ علينا القيام به لكي لا يقعوا دون تحضيرٍ في ظرفٍ كهذا؟
هدف هذه النشرة توعية الأمهات والآباء والحد من مخاوفهم وقلقهم. حيث تجدون فيها مقترحات عن كيفية تعزيز اعتماد أولادكم وبناتكم على أنفسهم وعن ما يمكنكم القيام به لحمايتهم. كما تجدون إرشادات للتصرف في حال اشتباهكم بأمر ما، وأسماء بعض الكتب التي تتناول الموضوع، وعناوين مؤسسات يمكنكم التوجّه إليها عندما يكون لديكم مزيدٌ من الاستفسارات.


ما هو الاعتداء الجنسي على الأولاد والبنات الصغار؟
المقصود بالاعتداء الجنسي على الأولاد والبنات الصغار استغلالهم لإشباع رغبات البالغين الجنسية. كما يُعتبر الاعتداء الجنسي بالنَّظَر إلى سُلْطَة البالغين دائمًا إساءةً بالغةً في استعمال هذه السُّلطة. أما أشكال الاعتداء فمتنوِّعة وتمتد من المحاولات المستترة للمس الولد أو البنات لأغراض جنسية لتصل إلى الاستغلال الجنسي المباشر بدرجات مختلفة ولفترات متفاوتة. فهناك حالات يُجْبَرُ الأولاد والبنات الصغار فيها على الظهور عُراةً، أو على تصويرهم وهم عُراة، أو يُجبرون على تحمُّل النظرات الشهوانية والإشارات التي تحمل معاني مبطَّنة، أو يتم لمسهم وتفحّصهم، ويجري إكراههم على رؤية صور إباحية، ومطالبتهم بإشباع رغبات البالغ الجنسية بالفم أو اليد. هذه الأشكال تمتد إلى الاغتصاب وممارسة الجنس مع الولد أو البنت.
هناك حوالي 14 إلى 16 ألف بلاغ من هذا النوع سنويًا في ألمانيا. ويُقدِّر الخبراء عدد الحالات التي لا يُبلّغ عنها بعشرة أضعاف عدد الحالات المعروفة، التي تحصل عادةً في المحيط الأوسع للعائلة. وكلما كانت العلاقة بين الضحية والجاني أكثر قربًا أصبحت احتمالات كشف الاعتداء أقل.
حتى وإن كان من الصعب تحديد العدد الدقيق لهذه الاعتداءات، إلا أن كل حالة بحد ذاتها مرفوضة وزائدة عن الحد؛ ففي كلِّ اعتداءٍ هناك طفلٌ مجروح الكرامة قد يتعذب ويعاني من العواقب على مدى سنوات.
75 بالمائة من الضحايا هم فتيات تتراوح أعمار معظمهن بين السادسة والحادية عشر، والكثيرات منهن لم يبلغن السادسة بعد. أما الجناة فمعظمهم من الرجال أو الفتيان من المحيط القريب. حيث يكون الجاني صديقًا للعائلة، أو زميلاً للوالدين، أو أحد الجيران، أو أستاذًا، وأحيانًا يكون زوج الوالدة، أو الأخ الأكبر أو حتى الأب بالذات. وهناك تحرشات جنسية تقوم بها نساءٌ، لكن غالبًا ما يصعب تحديدها بوضوحٍ لأن تعامل النساء مع الصغار عامة يتسم بالقرب الجسدي.
تحصل الاعتداءات الجنسية في كافة شرائح المجتمع. وربما ينشط الجاني في مكان ما بشكلٍ تطوّعي، ويكون خدومًا ومحبوبًا، وليس ضبعًا مخيفًا، بل يكون شخصًا غير لافت للنظر في معظم الأحيان. أما سبب قيام البالغين بأفعال كهذه فهو أمرٌ لن نستطيع معالجته في هذه النشرة.


كيف يمكن حدوث اعتداءات كهذه؟
ابتدأ الأمر بلعبة رمي المخدات بين الفتاة وعمِّها. بعد ذلك قرصت صفاء ابنة السبعة أعوام عمّها وأخذت نظارته. ولكي يعاقبها عمُّها على ذلك يريد الآن أن يزغزغها. وهذا أمرٌ رائع، فهي تفعله مع والدتها أيضًا.
لكنها تجد الزغزغة غير عادية، فتصرخ "يكفي" وتواصل الضحك بالرغم من ذلك. أما هو فيتابع الزغزغة ويقول لها "هيّا لا تنكدي الأمر علينا، فنحن نمزح قليلاً"، ثم يمسك ساقيها بقوة، وعندما يُبقي يده على قفاها تجمد في مكانها، وتعجز عن قول أية كلمة عندما تنزلق أصابعه داخل سِروالها.
فجأة يتملكها شعورٌ غريبٌ ومقرفٌ بطريقة ما. أشدُّ ما تتمناه صفاء هو أن يسحب يده. تريد أن تصرخ، لكنها تشعر باختناق، وتستحي لأنها قد سمحت بحدوث هذا الأمر. كما تستحي لهذا العم الذي تغيَّر فجأةً بشكلٍ تام. وتصاب صفاء بارتباكٍ وذهولٍ شديدين.
يهيأ الجناة اعتداءاتهم الجنسية في أغلب الأحيان لتبدو كمواقف "بريئة" في اللعب، فيحبها الصغير وتعجبه في البداية. إلا إن المداعبات والملاطفات تتخذ طابعًا آخر بشكلٍ غير ملحوظ، ولا يدرك الصغير طبيعتها الجنسية إلا بعدما يكون قد صار في خضم الحدث في أغلب الأحيان.
حتى وإن كانت الحدود بين اللمسات اللطيفة والتحرشات الجنسية تبدو متداخلة أحيانًا والحدود بينهما رفيعة،إلا أن الاعتداء الجنسي على البنت أو الولد لا يحصل عن طريق الخطأ! بل يتم الاعتداء الجنسي غالبًا بشكل أو بآخر عن قصد وسبق ترصد، فيختبر البالغ الطفل في البداية، كأن يلحق الجار مثلاً أو الشخص الذي يعتني بالولد أثناء غياب والديه، يلحق به إلى الحمّام ويبول بشكل ظاهر في المغسلة. فهل يشيح الطفل نظره مرتبكًا أمْ يسأل مستاءً: "ماذا تفعل؟!" أو هل تزيح الفتاة الصغيرة يد الجد بحزم عن فخذها، أم تبقى جالسةً متسمِّرةً في مكانها؟ إن ردة فعل الطفل تبيّن للمتحرّش إلى أي مدى يمكنه المواصلة، فربما يقع الصغير في شرك البالغ بعد أن يغمزه بعينه ويقول: "فليبق الأمر سرًا بيننا يا صاحبي".
وكما يؤكد المختصون فإن رد الفعل الحازم من قِبَلِ الولد أو البنت في المرة الأولى قد يدفع البالغ للتراجع عن فعلته. لكن ذلك يتطلب ثقةً كبيرةً بالنفس وجرأة، كما يعلم كل من مرَّ بتجربة من هذا النوع.
لا يوجد طفلٌ لا يبدي مقاومة بطريقة أو أخرى، أكان ذلك من خلال إدارة الرأس، أو العض على الأسنان، أو تشنّج الجسم. أما حجَّة الجاني بأن الطفل لم يبدِ أية "مقاومةٍ" فما هي في الحقيقة إلا محاولة رخيصة لتبرير فعلته. فالمسؤولية يتحملها البالغون في كل الأحوال.


لماذا لا يفشي الولد أو البنت الأمر؟
للمحافظة على كتمان السر يسبب المتحرش اضطرابًا شديدًا لدى الولد أو البنت من خلال قلب الحقائق وعكسها. كأن يقول له أو لها: "هذا يعجبك أيضًا" أو "أنت السبب في حدوث الأمر!" مما يدفع الطفل إلى الشك بإدراكه وفهمه للأمور، ويشوّش أفكاره بشكلٍ تام بحيث لا يعرف في نهاية المطاف ما الذي ينبغي عليه فعله. كما يهدد الجاني الطفل في معظم الأحيان قائلاً: إذا أفشيت سرّنا، فستموت أمك حزنّا عليك".
وأغلبية الجناة يقدمون مزيجًا من الرشاوى والهدايا الصغيرة ويطلقون التهديدات، أو يتوسلون رأفة الطفل كأن يقول الجاني: "لا تفشي السر. هل تريدني أن أدخل السجن؟"

وبخاصةٍ عندما تكون هناك علاقة وثيقة بالجاني، تحافظ الضحية في أغلب الأحيان على كتمان السر لسنوات، وتتحمل الأفعال المهينة والمؤلمة. فالطفل يحب زوج الأم، والأم، والجد ألخ. ويحب أيضًا معلم الموسيقى، أو المشرف في نادي الناشئين، ويعجب بالمدرّب في نادي الرياضة. وهكذا يسهُل إيهام الضحية عبر ادعاء الجاني بأنه: "لن يصدقك أحد، إذا أفشيت بأي شيء!".

تحت ضغط الحفاظ على السر الفظيع يشعر الولد أو البنت بأن الجميع قد تخلوا عنه. ولأن لا أحد يتحدث عن أمر كهذا يظن الطفل أنه الإنسان الوحيد الذي تحدث معه أمور كهذه.


ليس هناك استغلال جنسي غير ضار!
لا شك بأن أشكال الاستغلال الجنسي تتعدد ودرجاتها تختلف. حتى وإن كان استخدام العنف نادرًا ولا يُلحِق بالولد أو البنت ضررًا جسديًا سوى في حالات استثنائية، إلا أن الضرر النفسي يحصل في معظم الحالات. وكلما كانت العلاقة أوثق بين الطفل ومعذبيه وكلما طالت فترة الاستغلال الجنسي، ازدادت العواقب سوءًا على الطفل. حيث يفقد ثقته بإنسانٍ يحبه، ويشعر في محنته بشعورٍ عميقٍ بالعار والذنب، لأنه يُحمِّل نفسه مسؤولية سلوك البالغين من أجل إنقاذ تصوره الجيد عن شخص مقرّب منه. ويُقنع الطفل نفسه بأنه سيئٌ وقذرٌ عندما يتعرض لهذه الأفعال.
وكثيرًا ما يصبح المتعرضون للاستغلال الجنسي كارهين لذاتهم بشدة.
ولا يكترثون أنفسهم بأجسامهم وآلامهم ومشاعرهم تمامًا كما فعل الجاني بهم. وتقوم الضحية بكل هذا لكي لا تشعر بما لاقته من إساءة. ومن يقع ضحيةً للاستغلال الجنسي وهو صغيرًا، يكون عرضة لخطر تكرار مصيره في وقتٍ لاحقٍ بعدما يصبح بالغًا، وقد يتحول الفتيان الذين جرى التحرّش بهم جنسيًا إلى جناة. أما الفتيات اللاتي تعرضن للاستغلال الجنسي فلا يتعلمن حماية أنفسهن ولا يستطعن إدراك محنة أولادهن بعدما يصبحن أمهات، ناهيك عن عدم مقدرتهن على حمايتهم من الاعتداءات.
كل تجارب الاستغلال الجنسي تقريبًا تُلحِق الأذى بشخصية الولد أو البنت في مرحلة النمو وتُخَلِّف جروحًا لا تشفى عمومًا إلا بصعوبة. أما شعور الطفل بأن شخصًا قام بعملية استغلالٍ له بهذا الشكل فله تأثير السم البطيء على النفس.


كيف يمكن تحصين وحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي؟
ذات يوم يكون قد حان الأوان لأن طفلكم يريد أن يخرج لوحده لشراء الخبز أو ليذهب إلى المدرسة أو إلى ساحة اللعب. وبحسب المنطقة التي تسكنون فيها أو بحسب درجة مخاوفكم ستقابلون نزعة طفلكم للاستقلال بمشاعر متضاربة.
الأفضل هنا أن تكون لديكم القدرة على تشجيعه، فالأطفال يريدون أن يكبروا وأن يعتمدوا على أنفسهم ويخوضوا تجاربهم الخاصة. ولا يستطيع الوالدان مراقبة ابنهم أو بنتهم على مدار الساعة، ولا ينبغي لهما أن يفعلا ذلك! بل ينبغي لكلِّ طفلٍ أن يتعلم الحرص على نفسه ومواجهة المواقف الشائكة. ويمكنكم دعم استقلال طفلكم وإكسابه الشعور بالأمان بالاستعانة ببعض القواعد والاتفاقيات الواضحة.


قواعد للأطفال الذين يعتمدون على أنفسهم وللوالدين:
* يجب على الوالدين أن يعرفا دائما مكان تواجد طفلهما.
* يجب أن يعرف الطفل أين يمكنه الاتصال بوالديه، وأن يعرف الأشخاص الذين يمكنه التوجّهُ إليهم في حال غاب الوالدين.
* اتفقوا مع طفلكم على موعد عودته إلى المنزل أو على موعد اتصاله بكم.
* التقيّد بدقة المواعيد واجبٌ على الأطفال وعلى الوالدين على السواء!
* تعرَّفوا على أصدقاء أطفالكم وعلى آبائهم وأمهاتهم.
* نصيحة: لا تضعوا اسم طفلكم على الغطاء الخارجي للحقيبة المدرسية بل ضعوه في داخلها، حتى لا يستطيع شخصٌ غريبٌ قراءة الاسم بسهولة وبالتالي مخاطبة طفلكم باسمه فيكسب ثقته بسرعة.

بالطبع ينبغي على الطفل معرفة أن عليه أن لا يذهب مع شخصٍ غريب، ولا أن يصعد إلى سيارة أحدٍ ولا أن يسمح لغريبٍ بالدخول إلى المنزل. إلا أن توصيات من نوع "لا تتكلم أبدًا مع غريب" أو "اركض هاربًا إذا خاطبك أحد" من شأنها أن تخيف وتربك الطفل بلا ضرورة لأن ليس كل من يتكلم بضع كلماتٍ مع طفلٍ تكون لديه نوايا شريرة.

من الأفضل أن يعرف طفلكم بالضبط، كيف ينبغي له أن يتصرف في حالات معيّنة وما هي حقوقه تجاه البالغين.
الجملة "لا! أنا لا أريد ذلك" ليست إجابة وقحة من الولد أو البنت، بل إنها الإجابة الصحيحة إذا ما طلب شخصٌ غريبٌ من الطفل أن يريه طريقًا ما، أو طلب منه حمل حقيبةٍ أو المساعدة في تصليح شيءٍ ما.


أفضل حماية هي الثقة بالنفس
ما مدى ثقة طفلكم بنفسه لدى تعامله مع الراشدين؟ هل يستطيع أن يطلب ما يرغبه من الطعام عندما تكونوا مدعوين لدى الأقارب؟ وهل يستطيع أن يوضِّح للحلاق قصَّة الشعر التي يرغبها؟ التمرين يصنع الخبرة!
إن الطفل الواثق من نفسه الذي يقول ما يريده ويعبِّر عن ما لا يريده يكون مجهزًا تجهيزًا جيدًا للتعامل مع الغرباء ومع من لا يعرفهم من الناس.
فهو يعرف ما يحق للراشدين أن يطلبوه منه ويثق بأحاسيسه. الأولاد والبنات الواثقين من أنفسهم هم أكثر تحصينًا وقدرة على الدفاع عن أنفسهم. وكل ما يعزز ثقة الطفل بنفسه يقلل من احتمال أن يصبح ضحية.
إن التحصين والحماية من الاعتداء الجنسي ليست عبارة عن برنامج من نقاط محددة، بل هو مرهونٌ بموقفٍ تربويٍ يعزز من قوة الطفل لخوض غمار الحياة.
 لا يمكن تعلّم الدفاع عن الذات وإتقانه بين ليلة وضحاها. والطفل يتعلم في إطار العائلة كيفية التعامل مع الناس، وكيفية التفاهم معهم، ويتعرف على ما يريده وما لا يريده. ماما تريد الآن أن تقرأ وبابا يريد مشاهدة الأخبار الرياضية مثلاً. هنا لا بد من الاتفاق على من سيفعل ماذا ومتى يمكنه فعل ذلك. عندما يلعب يونس لعبة البرجيس مع أمه مثلاً، ينبغي عليها أن لا تطيل الحديث على الهاتف مع الجدة. أو عندما تكون لينا فرحة جدًا برؤية فيلم عن الحيوانات مثلاً، فهل يُسمح لها اليوم أن تتأخر عن موعد نومها بعض الوقت؟
إن خبرة الطفل الذاتية بإمكانية الإخبار عن احتياجاته والتفاوض بشأنها، هي دروسٌ مهمةٌ فيما يتعلق بالثقة بالنفس. الطفل الذي يتلقى من والديه ما يحتاج من الحب والاهتمام، يمكنه مقاومة الإغراءات وعروض الآخرين المريبة بشكلٍ أفضل (سواء أكانوا من الغرباء أو المعارف والأقارب). وبالرغم من الرعاية الجيدة التي يلقاها الطفل في الحضانة أو روضة الأطفال، إلا أنه يحتاج في المساء لوالدٍ يقرأ له قبل النوم أو لوالدةٍ يستطيع أن يروي لها ما يشغل باله.

يكون التعامل مع الأطفال الواثقين من أنفسهم مرهقًا جدًا للوالدين أحيانًا، خصوصًا عندما يكون المرء مثقلاً بهمومه الخاصة أو تكون مهنته شاقة ولا يود في المساء إلا احتضان طفلٍ وديع. وربما يبدي الطفل اعتراضاته بدلاً من أن يكون وديعًا، ويطلب التفسيرات ويدخل في نقاشات حامية عن جدوى الوظائف البيتية أو عن أوقات النوم. أية أمٍ وأيُّ أبٍ لا يرغبان أحيانًا أن يكون طفلهم مطيعًا! لكن من يضطر لأن يكون دائمًا مطيعًا فقط في إطار العائلة، لا يتعلم الدفاع عن حقوقه في الخارج! كما هي حال لينا عندما تقول في الدكان في هذا المثال: "لكني كنت قبلك في الصف!" هذا الصوت العالي الذي يسمعه الراشد من شخصٍ صغيرٍ أمامه هو صوتٌ واضحٌ بجديته ولا بد من أخذه على محمل الجد.
أو هل تكون محرجًا لو كان صوت طفلك في صف الانتظار عند الخبّاز عاليًا وواضحًا في مطالبته بحقه؟ من الأفضل أن تفرح إذا كانت لديه الشجاعة لأن يفعل ذلك. الأولاد والبنات الواثقون من أنفسهم يناوشون أحيانًا، فهم يتسمون بالإصرار وبالتشبث بآرائهم، وهذا هو المهم. فالأطفال المريحون هم في أغلب الأحيان ضحايا سهلة أيضًا.


جسدي مُلكٌ لي!
كتبت إحدى الصحف عن اعتداء جنسي على فتاة في التاسعة من العمر قام به زوج أمها: "الضحية احتملت التحرش في البداية لأنها اعتبرته تعبيرًا عن حبٍ أبويٍ عادي".
يحتاج الأطفال إلى الحنان. وشعور الطفل بأنه محبوبٌ واحتضانه ومداعبته هي من الأمور الحيوية بالنسبة إليه. لكن العناق يجب أن يتم بموافقة الطرفين. والأولاد والبنات بحاجة إلى خبرة أنهم يملكون القرار عندما يتعلق الأمر بجسمهم، لكي يحددوا متى يرغبون بالاحتضان والعناق ومتى لا يرغبون به. حتى الرضيع يدير رأسه ويحني ظهره عندما يضيق ذرعًا بالعناق.
والأولاد والبنات ممن في الثالثة من العمر يُظهرون بوضوح ما إذا كانوا يستسيغون العناق أم لا. ولا يمكن لأبٍ حريصٍ يراعي المشاعر أن يغفل عن شد ابنته لظهرها لدى جذبها نحوه كمؤشر لعدم رغبتها في الاقتراب.

لا يتعين على أحدٍ أن يتحمّل مداعبات أيٍّ كان. ولا يتوجّب على أيُّ طفلٍ السماح لأيِّ شخصٍ بتقبيله أو مداعبته. وهذا الأمر لا ينطبق على الغرباء فقط، بل على الجد والجدة أيضًا وعلى العم والخال، لا بل وعلى الأم والأب أن يقبلا بكلمة "لا" من الأولاد والبنات الصغار. لا حق لأحدٍ بإجبار الطفل على التقبيل!ترجموا إذا دعت الضرورة تعبير وجه طفلكم إلى كلمات وقولوا مثلاً: "أعتقد أن لينا لا ترغب في ذلك". بهذا الأسلوب تعزِّزون موقف ابنتكم.

لا يقتصر الأمر على العناق والاحتضان فالراشدون يقدمون للطفل في بعض الأحيان ما لا يفيده، إذ لا يحتاج ابن الرابعة من العمر لمساعدة والده أو والدته لكي ينظف أنفه أو قفاه على سبيل المثال. وإذا قال لك طفلك البالغ من العمر خمس سنوات: "اسمعي يا أمي، أستطيع تنظيف أذنيّ بنفسي" فعليكِ أن تأخذي هذا على محمل الجد. عليكم احترام الحدود التي يضعها طفلكم لكم. فالأطفال سرعان ما يفقدون حساسيتهم إذا ما أفرط الآباء والأمهات في التدخّل، كما ينخفض إحساسهم بالاعتداءات. من الأفضل أن تساعدوا طفلكم على مساعدة نفسه. بهذا ينمّي الطفل الحس السليم بذاته، ويلاحظ إن اقترب أحدٌ منه أكثر من اللازم. إن استقلالية الطفل واعتماده على نفسه يجعلانه واثقًا من نفسه.


الثقة بالمشاعر الذاتية
يعرف الأطفال بالضبط آراءهم بالأشياء والأشخاص المحيطين بهم في معظم الأحيان. ولا يُخفون هذه الآراء بغض النظر أكان ذلك يتعلق بكنزة صوفية تسبب الحك أو الرائحة الكريهة لنوع من الجبنة أو يتعلق بعدم استلطاف العم فايز. وهذا لا يعجب الأمهات والآباء في كثيرٍ من الحالات. وربما من خلال أقوال من نوع: "هيّا، لستَ بحاجةٍ للاختباء خلفي عندما يريد أبو سامح أن يسألك شيئًا!" يتجاهل الأمهات والآباء أن الطفل يفضِّل في البداية الحفاظ على مسافة من هذا الشخص. أو يحاولون مواساة الطفل لدى توجّعه بسبب شيء ما بالقول "لكن هذا ليس موجعًا أبدًا"، أو يرغِّبون الطفل بأكلةٍ يكرهها بالقول: "لكن الطعام لذيذ جدًا".
تحصل أمور كهذه في الحياة اليومية. لكن إذا جرى إقناع الطفل بخطأ مشاعره باستمرار أو تم تحويل مضمون هذه المشاعر، يفقد الطفل أداةً هامة من أدوات حماية الذات. هذه الأداة هي حدسه الداخلي الذي ينذره عند حدوث أمرٍ غريبٍ يستدعي الحيطة والحذر.

عندما يثق الفتيان والفتيات بمشاعرهم، لا يفسحون المجال لإدخالهم بسهولةٍ في مواقف مزعجةٍ ومقرفةٍ لا يرغبون بها، ناهيك عن السماح بإيهامهم بأن هذه المواقف قد أعجبتهم.

بيد أنه ليس من السهل على الطفل التأكد مما يشعر به في بعض الأحيان. فهل يشعر في مدينة الملاهي لدى ركوبه قطار الأشباح بالمتعة أم بالخوف؟ سمير فرح بالـتأكيد بالرحلة المدرسية التي سيقوم بها، لكنه خائف في الوقت ذاته لأنه سيبقى طوال هذه الفترة بعيدًا عن منزله. هناك إذًا مشاعر ملتبسة ومزدوجة.

تحدثوا من وقت لآخر مع أولادكم وبناتكم الصغار عن طبيعة مشاعرهم في مواقف وحالاتٍ معينةٍ حصلت، فهذا يساعدهم على التعرّف بشكلٍ أفضل على مشاعرهم.


الحدود تمنح الشعور بالأمان
يحتاج الأولاد والبنات الصغار في فترة نموّهم إلى "حيِّزٍ" محمي، لكي ينضجوا ويعوا أنفسهم. أما تأمين هذا الحيِّز فهو مسؤولية تقع على عاتق الراشدين.
لا شيء يحمي كرامة الطفل أكثر من احترام خصوصيته. وهذا ينطبق على الدخول المفاجئ بلا استئذان إلى الحمام أو على اختلاس النظر إلى مضمون حقيبة المدرسة مثلاً. ولا تستغربوا إذا علق طفلكم ذات يوم على باب غرفته ورقة كتب عليها: "الرجاء دق الباب قبل الدخول!" الآباء والأمهات الأذكياء يحترمون هذا الطلب ويلتزمون بالمسافة التي يتمناها الطفل.


لا بد من الحديث عن الأمور الجنسية
بالرغم من الانفتاح في تعامل الآباء والأمهات مع بعضهم البعض، إلا أنه يصعب على كثير منهم التحدث مع أولادهم وبناتهم الصغار عن الأمور الجنسية. لكن الحديث عن هذه الأمور مهمٌ للغاية.

فعندما يكون الجنس سرًا كبيرًا لا يتحدث عنه أحد، ينشأ خطر ظهور شخصٍ آخر "حسن النية" يبوح للطفل بهذا السر في طيّ الكتمان، وبعدها يستحي الطفل من الحديث عنه أو يفتقر للكلمات للتعبير عنه.
لدى الأطفال اهتمام طبيعي بأجسامهم. يريد الأطفال معرفة من أين جاؤوا وكيف تكوَّنوا. ولا يرغبون في هذا السياق سماع محاضرات فضفاضة، بل معلومات بسيطة وموضوعية. لستم بحاجة لأكثر من التوجّه والتعامل بحسب أسئلة طفلكم. حاولوا فهم رؤيته في البداية قبل البدء بإيضاح شيء ما. فالأولاد والبنات الصغار لديهم "نظرياتهم" الخاصة التي يمكنكم استخدامها بحذرٍ لدى شرحكم. يتطور "تنوير" أولادكم وبناتكم من خلال الكثير من المحادثات.
المهم في البداية فقط، أن يعرف الأطفال تسمية الأعضاء الجنسية وأن يتمكنوا من التعبير عن المسألة الجنسية بالكلمات.
وأن يكون لديهم اليقين بتوفر إمكانية التحدث مع آبائهم وأمهاتهم عن أمور كهذه.

أكثر ما يشغل الأطفال في سن الرابعة أو الخامسة هو اكتشاف أجسامهم. حيث يقارنون أنفسهم بأقرانهم فيدركون الاختلافات بين الصبيان والبنات. المهم أن يعرف طفلكم أن جسمه له، وعندما تعرف طفلتكم أن جسمها يخصّها وحدها ولا يحق لأيِّ طفلٍ آخر أن يرفع تنورتها أو يخلع عنها بنطلونها، لا يكون هنالك داعٍ لأن تقلقوا.


هل ينبغي التحدث مع الطفل عن الاستغلال الجنسي؟
هذا السؤال يربك الكثير من الآباء والأمهات. فهم لا يريدون سلب براءة الطفل، ولا يريدون أن ترتبط تصوّرات الطفل عن الجنس بالعنف والخشونة. وهذا مفهوم وصحيح. ينبغي على الطفل أن يتعرف على الجنس باعتباره أمرًا جميلاً ومُسِرًّا. لذلك لا تتحدثوا مع الطفل عن الاستغلال الجنسي إذا كانت المتعة والحب موضوع الحديث. بالرغم من ذلك ينبغي على من بلغ السادسة أو السابعة تقريبًا أن يعرف ما هو الاستغلال الجنسي. لأن هذه المعرفة تسهِّل عليه التعرّف على الحالات المريبة والغامضة.
كلما كان حديثكم عن هذا الأمر موضوعيًا وخاليًا من الانفعال، قللتم من مخاوف الطفل أكثر.

يمكنكم البدء بالموضوع بهذه الطريقة: "أنا سعيد لأنك كبرت وأصبحت تعتمد على نفسك ولأنني أستطيع الاعتماد عليك. لكن هناك بعض الأشياء التي ربما لا تعرفها بعد وأريد التحدث عنها معك الآن". ويمكن أن يستمر الحديث كالتالي: "هناك راشدون يكونون لطيفين جدًا مع الطفل في البداية، ثم يريدون فجأة مداعبة الطفل ولمس أجزاء من جسمه لا ينبغي أن يلمسها أحد غيره، على سبيل المثال بين الساقين، أو العضو أو المهبل والقفا". أو: "أحيانًا يريد راشدون أو فتيان أو فتيات أن يقبلهم الطفل في كل أنحاء الجسم وبين الساقين أيضًا". أكّدوا على: "أنه لا يحق لأحد له أن يفعل معك ذلك، بغض النظر إن كنت تعرفه أو لا تعرفه".

منقول ،،،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الارشاد الفردي

تعديل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة

نصائح تربوية تجعل من تربية الأطفال متعة حقيقية